يعقوب بن محمد بن غنيم الرحبي
لا أدري لماذا كل هذه الضجة الإعلامية في قرار إعادة آيا صوفيا إلى أحضان الإسلام. مما لا شك فيه أن لكلِ دولةٍ مستقلةٍ الحق في اتخاذ أي قرار تراه مناسبا لها ولمواطنيها وهي صريفة بمعالمها الدينية والتاريخية، ففي عام ٢٠٠٧م عندما تمكنتُ من زيارة إسبانيا (الأندلس) رأيتُ بأم عيني ماذا فعلوا عندما سلبوا الأندلس بعد أن فتحها المسلمون، مُنِعَ المصلين وأُغلقت المساجد بل حُوِلت إلى معالم سياحية وبعضها إلى خمارات وكنائس وما زالت النقوش الإسلامية والكلمات العربية باقية، والمحارب داخل المساجد تنظُر إلينا بحزن شديد وتقول بلسان حالِها ظلموا محرابي. ليس هذا فحسب؛ بل قتلوا ودمروا ونهبوا، ما فعله الصليبيون لم يكن له في تاريخ البشرية مثيل، ألا يُعد هذا إهانة للإسلام والمسلمين وانتهاكا لحقوق الإنسان؟ إلا إنهُ رغم كل هذا لم يُحرك المسلمون بل العالم بأكمله ساكنًا، لماذا عندما وافق الرئيس أردوغان على قرار المحكمة بإعادة آيا صوفيا مسجدًا بعد أن كان ذلك المعلم مسجدًا عندما فُتحت القسطنطينية؟ وليكن في علم الجميع بأن محمد الثاني بن مراد العثماني (محمد الفاتح) لم يأخذهُ عنوةً أو كان مغتصبًا له بل دفع ثمنًا لشراءه من القساوسة ليحولهُ إلى مسجد فسلموه طوعًا مقابل ثمن وهذه هي سماحة الإسلام وليس كما فعلوا هم بالأندلس. إذاً لماذا قامت الدنيا ولم تقعُد على هذا القرار؟ ولما هؤلاء الذين يسمون أنفسهم بعلماء الإسلام وأُمرائه لم يُصرِحوا بكلمةٍ واحدة مؤيدة لهذا القرار، بل تعالت الأصوات بالذم والنقد على هذا الصنيع وعلى من أيده وبارك خطواته. في الحقيقة هكذا تصنع الرجال أمجادها وتُسجل على صفحات التاريخ مواقِفُها المشرفة. لا تركع لمن يسعى لبناء المعابد والكنائس باسم التسامح، فالتسامح ليس التنازل عن الهوية والثقافة والعقيدة والمبدأ، إنما التسامح يكمن في احترام ثقافة الآخرين وعدم سلب الحق الفكري أو العقائدي أو الثقافي لأي أمةٍ أو شخص، والتسامح يكمن في حفظ الدماء والأعراض وعدم التدخل في شوؤن الغير، هذا هو مفهوم التسامح يا سادة.
الموافقة على بناء المعابد والكنائس وتماثيل المشاهير أعداء الإنسانية على أرضٍ خرج من رحمها الإسلام وولد فيها خير الأنام أو أرض فتحها المسلمون بعد أن عبث بها الصليبيون، لا شك يُعد خيانة للأمة الإسلامية بأكملها وعار على جبين من وافق وساند القرار، وستبقى الأجيال القادمة تلاحقهم وكفى من نعيق للفتنة والتدخل في شوؤن الغير.
