كنتَ.. ولا زلْتَ.. رمزاً أمجدْ.. جف قلمه.. وما جفت همومه
سعيد بن عبدالله البريكي
بالأمس القريب..
والمجتمع يهلل ببيان وزارة التربية والتعليم بانتهاء العام الدراسي الحالي تزامناً مع جائحة كرونا التي عصفت بأمنيات الغربيين وأحلام الشرقيين… كنتُ أتصفح كغيري تداعيات هذا القرار وكيف يراه البعض..
وكيف لا يراه الآخرون..
وكيف صنّف هذا القرار المتلقين لفئات ناسبت عقلياتهم…
فأينما كان توجهك الفكري… كان مسارك يرسم هوية رؤيتك للأمر..
ومما مر عليّ وأنا أجوب رسائل رفيقنا الميمون “الواتساب” نكتةً ضحلة كان مفادها :
أن معلما أراد تهنئة طلابه في المجموعة التعليمية التي أعدها لهم (بالواتساب) طوال العام الدراسي.٠٠ فوجدهم قد حذفوه!!!
ربما تبسمت ساخراً وأنا أقرئها من طرافتها ( لا من مضمونها).. فقد أبرزت بعضاً من القوالب المعاصرة لنظرة البعض للتعليم وعملية التدريس ، وكأن الشهادة والنجاح ليست سوى متطلب هو نتاج آخر العام..
ومع ابتسامتي الساخرة عادت بي الذاكرة لسنوات خلت كنتُ أحمل فيها طبشورة بيضاء ودفتر تحضير و39 دفترا صححتها ليلة أمس بقي منها 6 دفاتر لطمني النعاسُ قبل أن أكملها..
أو ربما نفذ القلم الأحمر الفرنسي الصنع آنذاك..
وصارحت نفسي في مضمون هذه النكتة إن كانت صحيحة وكنتُ أنا بطلها.!!
ما هو الشعور الداخلي الذي سأشعر به تجاه نفسي..؟ وكيف لي أن أقتنع بأنها دعابة صِبية كانوا هنا… وانصرفوا…
أو صرفوني بمعنى آخر…
تعمدت خنق الإجابة قبل أن تُولد
وتركت التفكير والشعور والأحاسيس والعاطفة لأنصرف في قراءة تغريدة أخرى من قلم تائه تهكم متسائلاً :
كيف للمعلم أن يتقاضى راتباً ضخماً وهو لا يعمل في الوقت الراهن؟.. خصوصا أن العام الدراسي انتهى قبل أوانه؟؟..
وحقيقة الأمر ما يدعو للإستغراب أن تكون كل السهام في الوقت الراهن موجهةً للمعلم وكأن جريمته كانت أن يكون صاحب رسالة.. ومجبراً أن يكتب بقلم حبرٍ لا رصاص “حتى لا تُمسح زلاته”!!
فأي ذنب اقترفه هذا الكائن الذي
بلل عرقه المالح لحظات التعب والجهد مقسماً الوقت لكي يكون حظ أحمد كنصيب سالم…!!
وعلامة منذر لا تبتعد عن علامة ناصر..
وأي جرمٍ أُلصق بتلك “المعلمة” التي تركت خلف باب البيت مريضاً كان أولى أن تبقى لأجله ، وهي تركض الساحة قبل أن يقلع قطار الطابور…!!
وأي طامة كبرى صنعها هذا المدعو “المعلم” وهو لا يجد إجازة كبقية الآخرين طوال تسعة أشهر كي يستجيب لعارضٍ طارئ حتى يكون في فوهة المدفع!!
أما كان أحرى بمن ظن أنه أضحك الجميع بهذه النكت أو من تنمّر مستفهما بضخامة الراتب أن يتفكر قليلاً وهو منتصباً في صلاته وهو يقرأ القرآن أن من علمه دينه كان “معلماً”..
ومن لقّنه كيف يشعر بطعم النجاح ليبستم فرحاً.. كان “معلماً”..
أما كان أحرى أن يتيقن من أتقن السخرية أن سماعة الطبيب التي شخصت حالته يوماً يمسكها تلميذ احترف مهنته من عصارة علم “معلم”!!..
اتركوا مسارح السخرية تنضح بما فيها بعيداً عن هذا المعلم..
خطواته تتسارع..
بريقه ساطع..
يُزهر أينما كان..
إذ كانت ولا زالت روائح الطباشير العتيقة ترتسم ذرات ذكرى خالدة في وجهه المثقل بكثافة الصف..
وصرير القلم..
وحصص احتياط..
وحبرٍ جف.. وما جفتْ هموهه..