حتى لا تعبثوا بها…
بقلم :راشد بن حميد الراشدي
عضو مجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية
في رواية مؤثرة وردتني روايتها من المملكة العربية السعودية
بقلم / عبدالرحمن محمد الخولاني
وكتبت يوم السبت ٢٨ / ٦ / ١٤٤١ هجرية .
تقول الرواية ؛ حدثني اليوم زميلي المهندس أحمد، وهو ابنُ أسرةٍ رجالاتها من كبار منسوبي وزارة الخارجية السعودية، وأظن أن أحد عمومته كان سفيراً لخادم الحرمين الشريفين في سويسرا، وهذه الأسرة كثيرة السفر والترحال.
يقول: سافرتُ في بعثةٍ إلى اليابان، واصطحبتُ معي أسرتي الصغيرة، فسكنّا في أحد أحياء المدينة التي ابتُعِثتُ إليها، ثم كان أولُ قرارٍ أتخذه هو أن أجلب لزوجتي وأبنائي من يعلّمهم اللغة اليابانية؛ حتى لا تنقضي فترة البعثة إلا ونحن قد استفدنا جميعاً من هذه الفرصة.
يقول: خرجتُ إلى الشارع القريب من منزلي فوجدتُ امرأةً ظننتها في العقد الخامس من عمرها، تظهر عليها علامات الجدِّيَّة والاهتمام بالزي المحتشم، فقلتُ في نفسي لعل هذه المرأة هي ضالتي التي أبحث عنها لزوجتي وأبنائي .
استوقفتُها فعرضتُ عليها طلب ، ثم وافَقَت بلا قيد أو شرط.
أردتُ أن أتحدث معها عن الأجر الشهري لقاء قيامها بتعليم أسرتي اللغة اليابانية، فلم تعطني فرصة، أيقنتُ حينها أنها في أمس الحاجة ولو إلى قليل من المال بسبب موافقتها التي لم تستغرق معي ثوانٍ معدودات .
شَرَعَت المرأة في تعليم زوجتي وأبنائي، وبعد مرور عامين ونصف العام من انضباطها في المواعيد، والحضور والانصراف لا أقول بالدقيقة بل بالثانية، فإذا بدراجتها الهوائية ( البسكليتة ) تتعطل، فعرضت عليها أن أوصلها إلى منزلها فقبلت بعد إلحاح.
يحدثني الزميل وقد اتّسعت عيناه من الدهشة ..
دخلتُ بها إلى فناء منزلها فإذا بهذه الفيلا الضخمة الرائعة؛ في حيٍّ راقٍ، وإذا بهذه السيارة الفارهة من نوع لكزس، ( وكأني بالزميل يقول: بَصُرتُ بما لم تبصروا به ) فسألتُها عن هذا كله؛ وليتني لم أسألها، فقالت نعم ..
أنا سيدة هذا المكان وهو ملكي
يقول ثم سألتها ما الذي دعاك إلى القبول بتعليم أبنائي براتب لا يكاد يُذكر أمام ما رأيت ؟ فكانت المفاجأة ؛ وكان الرد الذي أرهق عقلي وتفكيري منذ لحظته إلى يومنا هذا، قالت لي: يا سيدي .. أنا لم آتِ إلى منزلكم لأعلمكم اللغة اليابانية فحسب، أنا أتيت إلى منزلكم لكي أعلمكم ثقافتنا حتى لا تعبثوا بها !!!!!!!!!! ( انتهت )
إن ما شدني في هذه الرواية العظة والعبرة والألم نحو ثقافتنا وعاداتنا العربية النابعة من ديننا الإسلامي الحنيف وما أمر الله به من التزام ديني وأخلاقي سامٍ مرسل للإنسانية جمعاء .
إن عدم تفريط بعض الدول في إرثها الحضاري نابع من المحافظة عليه، وعلى هويتها وحمايته من أي تدخلات من ثقافات إخرى استسهلت موروثها وعِظم حضارتها فتخبطت بين حضارات الشرق والغرب واختلط الحابل بالنابل على شبابها فصاروا وسط فوضى عارمة يبحثون عن ثقافتهم وإرثهم وهويتهم بينما يقف الإسلام بتعاليمه السمحة شامخاً محافظًا على ذلك الإرث العربي من الدمار.
إن العبث بمكونات الإرث العربي الكبير وعدم المحافظة عليه جعلنا أضحوكة بين الشعوب؛ فمن غوغاء التعامل مع البشرية وثقافاتهم وعدم الالتزام بما ورثناه من خيراً كبير لم نحافظ عليه وجعل منا مجتمعات يشار إليهم بالجهل والتخبط والحذر من تصرفاتهم وسلوكهم الغريب من بعض المجتمعات وذلك سببه عدم التقيد بإرثنا العربي الكبير من اتباع مكارم الأخلاق السامية التي حظ عليها ديننا الحنيف وزكتها أخلاق مجتمعاتنا السابقة وأفعالهم ومآثرهم التي لا زال العالم يشهد عليها ويستفيد من أفكارها إلى اليوم .
إن العبرة في قادم الأيام بضرورة استلهام الماضي لأجل حاضرٍ مشرق من خلال الرجوع إلى ديننا الحنيف منبع ثقافتنا العربية الأصيلة والتقيد بعاداتنا وتقاليدنا الحميدة الزاكية بأفضل الخصال ونشر ضياء الخير إلى البشرية جمعاء بسلوكنا الحضاري المميز .
دمتم على الخير وندعوا الله العلي القدير صلاح أمتنا وصلاح أمرها وأن نُعلم الأمم مكارم الأخلاق بسلوكنا وتعاملنا الراقي مع مختلف الشعوب .
سناو
٣-٣-٢٠٢٠م