ورشة العمل الإقليمية الأولى لميثاق العالم الإسلامي للذكاء الاصطناعي (IWAIC)في منطقتي آسيا والشرق الأوسط
مسقط-النبأ
أضحى الذكاء الاصطناعي حقيقة واقعية، تغزو تطبيقاته حياتنا اليومية وتضفي على مستقبلنا ومستقبل الأمم واقتصاداتها الكثير من الغموض، خاصة في ظل قصور القوانين عن تأطير كل جوانبه وعجز الفاعلين المحليين والدوليين عن التنبؤ بطبيعة تأثيراته المستقبلية على المجتمع وبنيته وأنشطته وعلاقاته. لذلك أصبح من الضروري تسخير نهج استشرافي واستباقي شامل لكل ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي واستخداماته وذلك لمواكبة التحولات التكنولوجية والنوعية المتسارعة وتحقيق التطلعات والأهداف المرجوة والسير قدماً نحو مستقبل مشرق وآفاقٍ واعدة ووضع أسسٍ راسخة تزدهر من خلالها الاقتصادات وتتحقق التنمية المستدامة للمجتمعات.
ويأتي الاستخدام المتزايد لتقنيات الذكاء الاصطناعي في ظل نقاش عالمي حول عجز الأطر القانونية ومحدوديتها في مسايرة مجمل هذه الاستخدامات والإحاطة بها، وقد اقتصر جهد معظم الفاعلين على وضع أطر أخلاقية ومبادئ عامة، لكن هذه المبادئ القانونية لا تدلنا على ما ينبغي فعله حين الوقوع في حالة تنازع المبادئ واصطدامها، مثال ذلك التقاء مبدأ حفظ حياة الأشخاص بمبدأ آخر مهم وهو مبدأ النزاهة واحترام الخصوصية حين يتعلق الأمر بالمعلومات الشخصية للأفراد، ولأجل تخفيف حدة هذا التنازع؛ فلابد من إدارة حوار بناء مع مختلف الفاعلين في ميدان الذكاء الاصطناعي والخوارزميات بصفة عامة، الأمر الذي يتطلب استعدادا وجهدا؛ غير أن التطور السريع والسباق المحتدم بين الشركات المُطورة للذكاء الاصطناعي وخاصة التوليدي؛ يضع صانعي السياسات بين ثنائية التدبير اللحظي الذي يقتضي إيجاد حلول آنية ولحظية، وبين واجب التفاعل المُتعقّل الذي يراعي ظروف الواقع ويستحضر الإمكانات والمعيقات.
وفي ظل هذا الواقع الملتبس، أولت كل من منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) وجامعة التقنية والعلوم التطبيقية اهتمامًا كبيرًا بمجال الذكاء الاصطناعي وأخلاقيات استخدامه، وهو التزام ينعكس في الخطط والبرامج التنفيذية والمبادرات الاستراتيجية.
ومن أبرز المبادرات التي تقودها منظمة الإيسيسكو إعداد ميثاق أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في العالم الإسلامي، والذي يأتي تنفيذا لقرار المجلس التنفيذي للإيسيسكو في دورته الثالثة والأربعين، المنعقد في ديسمبر م2022 في المملكة المغربية، حيث أسندت الدول الأعضاء بالإجماع مهمة صياغة ميثاق العالم الإسلامي للذكاء الاصطناعي إلى الإدارة العامة للمنظمة.
وتوسيعًا للرؤية الشاملة لميثاق العالم الإسلامي للذكاء الاصطناعي، فقد تقرر عقد ورشة العمل الإقليمية الأولى لمنطقتي آسيا والشرق الأوسط، التي ستعقد في مسقط بسلطنة عمان في الفترة من 2 إلى 4 يوليو 2024.
وعن هذه الورشة الاقليمية يقول سعادة الدكتور سعيد بن حمد الربيعي رئيس جامعة التقنية والعلوم التطبيقية: “تمثل هذه الورشة الإقليمية تقدمًا كبيرًا في عملية التشاور القائمة للميثاق، وبعد جلسة معايرة أولية في مقر الإيسيسكو، تأتي ورشة العمل هذه في موقع استراتيجي لدفع المبادرة إلى الأمام بالشراكة مع جامعة التقنية والعلوم التطبيقية ووزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات بسلطنة عمان.
وأضاف؛ تهدف ورشة العمل الإقليمية هذه في جوهرها إلى إعطاء الأولوية للمشاركة الفعالة، فهي تتبنى ثقافة التعاون، وتعترف بالخبرات الجماعية ووجهات النظر المتنوعة بين المشاركين. والهدف الأساسي هو تعميق الحوار وتيسير التعاون بين جميع أصحاب المصلحة.
وأيضا تهدف ورشة العمل الإقليمية، من خلال دمج الدروس المستفادة والتجارب الناجحة، إلى صقل نهجها والمساهمة في إنشاء إطار عمل قوي لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي وحوكمته في منطقتي آسيا والشرق الأوسط، ومن خلال توجيه الحوار حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، تسعى ورشة العمل إلى تعزيز التعاون الإقليمي. وتطوير المبادئ التوجيهية الأخلاقية، وكذا غرس الشعور بالمسؤولية الجماعية بين جميع الأطراف الفاعلة المعنية”.
كما تطرق سعادته إلى دور جامعة التقنية والعلوم التطبيقية في تعزيز اخلاقيات الذكاء الاصطناعي حيث قال:
“سيمثل هذا الميثاق أهم مخرجات كرسي الإيسيسكو لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي الذي أنشئ سنة م 2024 وتستضيفه جامعة التقنية والعلوم التطبيقية ، هذا الكرسي الذي تم تأسيسه للمساهمة في الجهود المبذولة لمعالجة القضايا الأخلاقية التي تنشأ جنبًا إلى جنب مع ظهور تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي، والذي من شأنه دعم البحث العلمي والابتكار في هذا المجال وتوطين تقنيات الذكاء الاصطناعي ونشرها في جميع القطاعات وخاصة قطاعات الصناعة والإنتاج مما سيسهم وبشكل فاعل في تعزيز مخرجات البرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي والبرنامج التنفيذي للذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة ومخرجات الجامعة في برنامج علم البيانات والذكاء الاصطناعي، تماشياً مع التوجيهات السامية في الإسراع بإعداد التشريعات التي ستسهم في جعل تقنيات الذكاء الاصطناعي أحد الممكنات والمحفزات الأساسية للقطاعات الاقتصادية في سلطنة عمان.”
من جانبه أكد الدكتور سالم بن محمد المالك، المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، أهمية موضوع ورشة العمل الإقليمية لميثاق العالم الإسلامي للذكاء الاصطناعي، حيث ستشهد مناقشات ثرية حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وتبادل الرؤى والأفكار بين نخبة من أبرز خبراء المجال في العالم المتعلقة بأهم المحاور التي يجب أن يتضمنها الميثاق، الذي تعمل منظمة الإيسيسكو على صياغته بمشاركة خبراء من دول العالم الإسلامي وخارجه.
وأوضح أن الورشة إحدى ثمار التعاون المتميز بين الإيسيسكو وجامعة التقنية والعلوم التطبيقية ووزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات في سلطنة عمان، وأنها باكورة أنشطة كرسي الإيسيسكو لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي بالجامعة.
وأشار المدير العام للإيسيسكو إلى أن المنظمة تولي أهمية كبيرة، في ظل رؤيتها وتوجهاتها الاستراتيجية، إلى الجوانب الأخلاقية في الذكاء الاصطناعي، لضرورة وجود إطار ناظم للقيم الإنسانية يحكم أبحاث الذكاء الاصطناعي، ويحافظ على حقوق الأفراد وعلى سرية بياناتهم الشخصية.
الجدير بالذكر بأن المشاركين في الورشة ممثلون عن منظمات مرموقة وخبراء في تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي وأصحاب المصلحة في مجال التكنولوجيا الجديدة والمجتمع المدني وطلاب الدكتوراه من الدول الأعضاء في الإيسيسكو بالمنطقة، وكذا ممثلي الشركات العملاقة المساهمة في تطوير الذكاء الاصطناعي، وذلك من عدة دول وهي سلطنة عمان و المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين ودولة الكويت وجمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية والجمهورية اللبنانية ودولة فلسطين والجمهورية العربية السورية والمملكة المغربية وجمهورية أذربيجان وجمهورية كازاخستان وجمهورية أوزبكستان وجمهورية أفغانستان الإسلامية وجمهورية باكستان الإسلامية وجمهورية بنغلاديش الشعبية والجمهورية الإسلامية في إيران.
ويشارك أيضا خبراء من ماليزيا وبروناي وإندونيسيا والمالديف وفرنسا وكندا.
ويتضمن جدول عمل الورشة جلسات نقاشية تفاعلية وعروضا وتشكيل مجموعات عمل جماعية، بهدف تبادل الرؤى ووجهات النظر حول الذكاء الاصطناعي في آسيا والشرق الأوسط، ومناقشة الجوانب الأخلاقية المتعلقة بأبعاد الذكاء الاصطناعي في العالم الإسلامي.
ويشمل برنامج اليوم الأول من الورشة، تقديم كلمات افتتاحية لممثلي جامعة التقنية والعلوم التطبيقية، ووزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات العمانية، ومنظمة الإيسيسكو، تعقبها جلسات نقاشية حول “رؤى إقليمية: وجهات نظر حول الذكاء الاصطناعي في منطقتي آسيا والشرق الأوسط”، فيما يتناول اليوم الثاني ورش عمل تطبيقية بين المجموعات لتقديم مقترحات حول الأخلاقيات والحوكمة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، والعمل بعدها على صياغة وثيقة ميثاق العالم الإسلامي للذكاء الاصطناعي.