البيئة ورواد الحركة الكشفية
علي بن مبارك اليعربي
إن علاقة الكشافة والجوالة و قادتهم و سابقيهم من رواد الحركة الكشفية بالبيئة ترتبط ارتباطاً وثيقاً لا مثيل له لا يستغنى أحدهما عن الآخر وكأن هذه العلاقة قبل فكرتها وحتى قبل ولادتها. فإن نظرنا لتعريف الحركة الكشفية فهي ( حركة اجتماعية تطوعية تربوية موجهة ، تسعى لبناء الفرد من الناحية العقلية والنفسية والبدنية ، وإكسـابه مهارات ومعارف تسـاعده على تحقيق دوره في الحيـاة ، وفي مجتمعه وأسـرته ، وتجعله مواطناً صـالحاً يحب الخير ويقدمه للآخرين عن حب ورضا ) وهذا ما يحثنا عليه ديننا الحنيف في قوله تعالى : *{ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ}* (سورة البقرة :جزء من آية 211 ) ؛ وذلك لأن من أنعم الله عليه بنعمة دينية أو دنيوية، فلم يشكرها ولم يقم بواجبها ، اضمحلت عنه وذهبت، وأما من شكر الله – تعالى – على النعم وقام بحقها فإنها تثبت وتستمر ويزيده الله منها ، والله سبحانه وتعالي خلق الإنسان واستخلفه علي الأرض قال تعالي : *{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً }*( سورة البقرة : جزء من آية 30 ) ومعني الاستخلاف : أن الأرض أمانة وتستوجب الأمانة حمايتها و المحافظة عليها .
لهذا بدأت فكرتها من خلال ربط مجنديها بالبيئة والتعامل مع تضاريسها فمؤسسها اللورد “بادن بول” كان حينها ضابطًا في الجيش البريطاني ، برتبة الكولونيل، وكان نافذًا وذا حنكة و دراية في الإدارة والقيادة وقدرة في تربية النشأ. ونظرًا لما يتمتع به من مرح ومواهب كالتمثيل والغناء ، تولدت لديه مجموعة من البرامج لتربية الشباب في عمق البيئة وفي الهواء الطلق. ولكونه تربى تربية عسكرية وكما قيل في المثل “كل إناء بما فيه ينضح” اتخذ النمط العسكري أداة لتربية أولئك الشباب وجعل الطبيعة ميدانًا له وثكنة يمارس فيها أنواع من الفنون ويشغل من خلالها أوقات الشباب المتفكك العابث والذي إن وجد من يأخذ بيده ينطلق ويتفرد ويبدع ويظهر مهاراته المكبوته وقد اختار البيئة و طبيعتها لكونها تثير المتعة وتدخل السرور في النفس. حيث بدأ حركته بإقامة مخيم في جزيرة براون سي استمر فألف كتابًا عنوانه “الكشفية”
فالبيئة كتاب بل مجلد يحوي بداخله رسالة التربية الكشفية يستقي منتسبوها علوم الحركة وفنونها بها المحبرة والقلم ومنها وسائل التعلم والحكم ومنبع الصبر منذ الأزل ومصدر الطاقات إن صح المثل إن زانت صلح العقل ثم الجسد وصفت النفس وارتقت وامتزج العمل بالأمل وارتبط الفرد بالسهل والجبل فاشتد ساعده وقوي معصمه. فالحركة الكشفية صديقة البيئة وتوأم روحها تحافظ عليها كأمها وأبيها فهي بكل تأكيد دار الكشاف ومسكنه ولحنه وديدنه فلا غرو أن نحتفي بيوم من لازمه ومكنه و فتح له طريق الخير وأسعده يوم البيئة العالمي يوم الخامس من يونيو من كل عام.هذا اليوم له ماله من أثر طيب لا ينسى للحركة الكشفية العالمية فالاحتفاء به لا شك يؤكد التوأمة الحقيقية مع البيئة فهي معزوفة الكشاف أينما حل أو ارتحل.