ضريح بيبي مريم أثر تاريخي ينبض بالحكايات في تراث ولاية صور
إعداد الطالبة : سماح بنت خليفه المعمرية
بيبي مريم : كشف لغز التاريخ – في قلب مدينة قلهات الساحلية في سلطنة عمان يقع ضريح بيبي مريم، وهو هيكل غامض محاط بالأسطورة والغموض. يعود تاريخها إلى قرون مضت، ولا تزال جاذبيتها الآسرة وحكمتها العميقة تثير فضول العلماء، على الرغم من الطبيعة المراوغة لأصولها.
تتجلى القصة المحيطة بضريح بيبي مريم كمركز للأساطير والتراث القديم، حيث تتأرجح بين جذورها التاريخية وتفسيراتها الأسطورية، مما يشكل تحديًا للتاريخ في توثيق هويتها الفعلية. يقع في مدينة قلهات الأثرية ضريح بيبي مريم، وهي تُعتبر أقدم مدينة عمانية على الإطلاق، إذ كان ميناؤها مركزًا للتبادل التجاري بين مختلف أنحاء العالم، مما يجسد تاريخها الغني والعريق بالتأثيرات الثقافية. رغم تغيراتها عبر العصور، إلا أنَّ جذورها التاريخية تظل واضحة، وتُعتبر بيبي مريم جزءًا مهمًا من هذا التراث. وبالرغم من التحولات والتطورات، يظل حضورها مثيرًا للاهتمام.يُعتبر ضريح أو مقام “بيبي مريم” وفق مايسميه الناس : هو أحد أشهر معالم المدينة، حيث تمتد حوله العديد من القصص والأساطير التي تجعل من تاريخه شديد الغموض. انتشرت الأساطير حول شخصيته، حيث يُقال إن بيبي مريم ينسب إلى حاكم قلهات الذي يُزعم أنه بناه لزوجته عام 1311، وبعض الروايات تشير إلى أنه مسجد بنته إمرأة صالحة تُدعى مريم، وفقًا لوصف ابن بطوطة. يُقال أيضًا إن بيبي مريم حكمت قلهات في عهد قطب الدين ملك هرمز، في نفس الفترة التي زار فيها ابن بطوطة المنطقة. ووفقًا للروايات، كانت امرأة مسنة قامت بعمارة المسجد وخدمته إلى أن توفاها الله. لا يزال مقام بيبي مريم يحتفظ بغموضه، حيث لا يعرف أحد القصة الحقيقية أو أسرار هذا المبنى ، مما يؤدي إلى تنوع الأقوال والقصص حولها. هل كانت ملكة؟ أم معالجة؟ أم كليهما؟ تبقى الإجابات مجهولة، مما يزيد من جاذبية شخصيتها الغامضة.
الأقواس الجميلة التي تُزين الضريح تحكي قصة التبادل الثقافي. تم تصميمها بنمط مغولي يرجع إلى الحرفيين الهنود والإيرانيين القدامى. هذه العناصر المعمارية تعمل كحراس لعصور مضت، حيث اتحدت طرق التجارة وتبادلت الأفكار لتشكل المشهد الثقافي لقلهات. ولكن ليس فقط الأشكال المعمارية المدهشة تُثير الإعجاب، بل النقوش المعقدة والزخارف الدقيقة التي تحكي قصة مهارة الحرفيين واهتمامهم بالتفاصيل، مما يعكس جمالية الحضارة القديمة التي ازدهرت هنا.
ويتكون هيكل الضريح من خليط من الحجر والمرجان، مما يمنحه مظهراً فريداً يتناغم مع البيئة المحيطة. ويضم الضريح غرفة تحت الأرض تغطيها قبة، انهار جزء منها بسبب تغير المناخ والعوامل الطبيعية. ويتميز الطراز المعماري للمزار بشكله الأسطواني المميز، والذي يعكس أسلوب البناء السائد في تلك الحقبة، مما يزيد من جاذبيته التاريخية والثقافية.
وفي أحد مراجعه الشهيرة، سجل الرحالة المعروف ابن بطوطة ملاحظاته حول المدينة وضريح بيبي مريم، قائلاً: “يقع مقام بيبي مريم في موقع متميز يطل على ميناء المدينة، ومع مرور الوقت لأجيال عديدة، يبقى هذا المعلم شاهداً على تاريخ المدينة، محافظاً على أسرارها التاريخية التي لا توصف. “لم يتم اكتشافها بعد، كما يحيط الغموض بضريحها وسرها”.
وعن ضريح بيبي مريم قالت الفاضلة فوز المخيني ” يشكل لوحة فنية تعكس تاريخًا غنيًا وثقافة عميقة، فهو مزيج مدهش بين العمارة الفريدة والزخارف الفنية التي تروي قصصًا قديمة عن أجدادنا. كل حجر في هذا الضريح يبدو وكأنه شاهد على الأحداث التاريخية، وكذلك كأنه يحمل عبء الزمن ويروي للزوار قصصًا تأخذهم في رحلة عبر العصور. وتردف فوز قائلةً : من خلال النقوش الغامضة التي تزين الجدران، يتبين لنا أن كل تفصيل في هذا المكان يحمل معاني عميقة ترتبط بتراثنا وتاريخنا العريق، وتضيف المخينية قائلة : قد تختلف أسباب زيارة مقام بيبي مريم بين الماضي والحاضر. وفي الماضي كانت أسباب زيارة مقام بيبي مريم مرتبطة بالتقاليد والعادات الدينية والثقافية التي كانت سائدة في ذلك الوقت. كان الناس يأتون إلى الضريح لأداء الصلاة والدعاء وتقديم التبرعات والقرابين كوسيلة للتقرب إلى الله وطلب الشفاء والبركات. وفي الوقت الحاضر، تغيرت أسباب الزيارة بسبب التطورات الاجتماعية والثقافية والدينية. يأتي الناس اليوم إلى الضريح لأسباب مختلفة، بما في ذلك الفضول لاستكشاف ذاكرة المكان، والاستمتاع بالعمارة التاريخية والفنية للضريح، وتعزيز الوعي الثقافي والديني. كما يأتي بعض الزوار لتقديم الصلوات والتضرع وطلب الشفاء الروحي والجسدي، والبعض يأتي للتأمل والعزلة والبحث عن السلام الداخلي والروحي. بالإضافة إلى ذلك، يأتي بعض الزوار لأغراض سياحية وتعليمية، لفهم تاريخ المنطقة وثقافتها، والتعرف على القصة والأسطورة المحيطة بضريح بيبي مريم.
وسط كل هذا الغموض والتكهنات، يبقى شيء واحد مؤكد: إرث بيبي مريم يتجاوز حدود التاريخ.