أيها المسؤول رفقاً بالعقول
خميس بن محسن البادي
حين يصرح مسؤولٌ رفيع عبر وسائل الإعلام عن رغبته باتخاذ قرارٍ في شأن تصحيح وضع عمل معين؛ لجعل نفعيته عامة دون الفردية، ويؤكد في المقابل أن قراره وجد عوائق لإصداره، وضعها في سبيل منعه من الصدور نفر من المغرضين، يعملون في ذلك القطاع لصالحهم؛ وذلك لرغبتهم باستمرارية تحقيق المنفعة الشخصية لهم، أو من لهم صلة معينة بهم، وهذا لا ريب تصرف شخصي مقابل ضرر بنفع عام، مستندين في ذلك على الإجازة الحكومية التي صدرت لهم من ذي قبل، لممارسة هذا العمل، وبذلك يُجمّد القرار المراد منه تصحيح مسار العمل، فهنا تتبادر إلى الذهن تساؤلات عدة: إذ كيف لمسؤول حكومي يصرح بعجزه عن إنفاذ قراره، وقد وُئِدَ في مهده قبل حتى أن يرى النور؟ وحين يتم إنشاء شركة محلية وقد حظيت بكافة الموافقات الإدارية من جهات الاختصاص بالتصريح لها بمزاولة نشاطها الذي أنشئت لأجله، ورأينا على الواقع جدية عملها، وحسن تنظيمه، ووفرة معروضها وتنوعه، ورحابة معرضها، ونيتها بالتوسع من خلال إنشاء أفرعٍ لها في ولايات مختلفة من سلطنة عُمان، ثم يخفت بريقها فجأة، وتتلاشى شهرتها، وتتناقص أنباء نشاطاتها بين العامة من الجمهور والمستهلكين، لتخرج إلينا إدارتها بعد ذلك معلنة تعاقدها مع شركة خارجية لتسيير نشاطها في البلاد، دون أن تظهر بوادر عن نتاج ذلكم التعاقد حتى الآن، رغم مرور فترة ليست بالقصيرة على إعلان إبرام العقد، فثمة علامات تعجب واستفهام واستفسار تقف عاجزة عن التفسير أمام الجمهور ، بما يفسره بعضهم بأن حفنة من المتمصلحين عطّلوا ذلك، وساهموا بطريقة ما في تبديد الاتفاق وإنهائه، وتقويض أعمال الشركة.
وحين تتصدر المواقع الإعلامية المختلفة تصريحات لمسؤول متضمنة السعي نحو الإحلال الوظيفي في مختلف القطاعات، وادعائه باهتمامه بأولوية التعمين، بينما الواقع يشهد بين الفينة والأخرى تعيين غير العماني في مهن العماني أحق بها وأقدر من أن يشغلها، وهي وظائف عديدة، ولما تم تحديد رواتب موظفي القطاع الخاص من العمانيين بمبلغ (ثلاثمائة وخمسة وعشرين ريالا عمانيا) بصرف النظر عن المؤهل الدراسي، إنما نراه قرارا في غير محله، ولم نسمع دراسة بشأنه قبل إصداره، الأمر الذي استغله بعض أصحاب الشركات بتسريح العديد من المواطنين من وظائفهم؛ ليكونوا معطلين، وقلة منهم يعاد تعيينهم بالأجر المحدد(325)ريالا عمانيا، في حين يعود إلينا المسؤول قائلاً: بأنه ستتم دراسة قرار رفع الحد الأدنى للأجور، وسيعرض القرار على لجنة مختصة، بل ويعزز ذلك لاحقاً بقوله: بأنه لا يملك الوقت لدراسة الأمر، فما تفسير هذا التضارب والتباين؟! وضحية كل ذلك المواطن الكادح، وحين يعلن أحدهم بوجود عشرات الآلاف من الوظائف ستتوفر بعد عدة عقود قادمة من الزمن، التي إن تحققت سيتنافس عليها مئات الآلاف من الخريجين الذين مضى بهم العمر حينها، بل ووصل بأحدهم بأن يصرح بأن دخل العماني سيكون بعد عقدين من الزمن برقم مالي خيالي، قد لا يجده الموظف بأجر شهري حتى في أغنى الدول.
وحين يأتينا تصريح منك أيها المسؤول من خلال منتدى رسمي، شاركت فيه بصفتك الرسمية، تدعو فيه شباب هذا الوطن إلى البحث لهم عن وظائف خارج وطنهم، وأن يجدوا لهم مصادر دخل من مشاريع تجارية يبتدروها، فأنّى لهذا التقدم أن يكون، وبدعوتكم تلك وأدتم الطاقات، وأحبطتم الكفاءات التي تعتبر في أوج عطائها وذروته في بناء وطنها، وقد تسلحت بالعلم والمعرفة بعدما اغترفتم لأجلها بعض المال من الخزينة العامة، وهل الكل يجيد فن التجارة أو باستطاعته أن يفعل ذلك في ظل منافسة شرسة من بعض الذين يحتكرون تجارة أنشطة بعينها؟! وأنت الذي صرحت بأن قيمة استهلاك وسيطة معينة من النقل بين محافظة وأخرى يعتمد على توازن الشركة المالي. فهل يعني ذلك أن المواطن سيكون مصدر هذا التوازن في تغطية خسائر الشركة؟ أو ما هو المغزى من هكذا تصريح؟ وغيرها من التصريحات المماثلة والمحسوبة على مسؤولين في الحكومة.
فيا أيها المسؤول رفقاً بالعقول، فالمواطن اليوم أضحى -وإن لم يكن متعلماً- فهو على اطلاع وبيّنة، بما يدور من حوله، وربما قد يكون لديه الفهم والمعرفة أكثر من ذلك الذي يحوز أعلى الشهادات، فهو متفرغ لمتابعة أحداث الساعة، بل وكثير منهم ذاكرتهم حاضرة فيمن يشغل هذا المنصب وذاك، ومن صرح بكذا وذلك، ولذلك يتوجب عليكم أيها المسؤولون الكرام توخي الدقة في تصريحاتكم، وصدق قولكم، وجعل ذلك محل ثقة عامة الجمهور بكم، وإننا إذ نناشدكم بالله أن تكونوا على قدر الثقة السامية لجلالة السلطان-أعزه الله- ولتترسخ ثقة المواطن بكم أيضاً؛ لما يعوّل عليكم من الخير المرتجى أداءً للأمانة التي قبلتم بحملها على كاهلكم، والتي ستسألون عنها لا شك في ساعة لا ينفع حينها إلا عطاءكم الخالص لوجهه سبحانه وتعالى، فلا تعجلوا نيل قطكم في الدنيا، بل اعملوا ليكون رصيداً في حساب صالحات أعمالكم في الآخرة، وإن عجزتم عن انتقاء كلمات تصريحاتكم التي تثير حفيظة المواطن، فبادروا بطلب من يعينكم على أداء هذه المهام كمتحدث رسمي عنكم، ممثلاً لكم كحكومة حيث منحكم جلالة السلطان -حفظه الله ورعاه- ثقته السامية فعيّنكم كلاًّ في منصبه لخدمة الوطن والمواطن.