بين ركائز التاريخ وأجنحة التكنولوجيا .. هل يمكن للطوابع البريدية في سلطنة عمان أن تحافظ على سحرها في عصر الرقمية؟
تحقيق صحفي ..
روان بنت راشد بن سيف الهنائية
جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بنزوى
حمود الهنائي : الطوابع البريدية هي رموز تحكي تاريخًا، وفنًا، وهوية فريدة لسلطنة عمان.
د. حنان بنت محمود أحمد: الطوابع البريدية في سلطنة عمان هي لحظات مهمة تحكي قصة الهوية والتراث عبر الأجيال.
دكتور. أيمن عبد الرحمن إسماعيل : تلتقي الطوابع بتكنولوجيا الواقع المعزز لتروي قصصنا بشكل ملهم ومتطور.
زكريا الخروصي: استخدام الطوابع البريدية في إلهام الشباب في سلطنة عمان لاستكشاف التراث.
في رحيل الزمن، حيث يتسارع إيقاع الحياة بخطى غامضة، تثار تساؤلات حول مدى قدرة الأشياء التقليدية على البقاء والتأثير في عصر يتسم بتفضيل الاتصال الرقمي والتكنولوجيا المتقدمة. بين ركائز التاريخ الجميلة وأجنحة التكنولوجيا الحديثة، نتساءل اليوم: هل يمكن للطوابع البريدية في سلطنة عمان، تلك القطع الصغيرة من الفن والتراث، الاحتفاظ بجاذبيتها وسحرها في وجه التحديات الرقمية؟
سلطنة عمان، ذلك الوطن الذي يحمل في طياته غنى التاريخ وتعدد الثقافات، تعكس طوابعها البريدية ملامح هذا التنوع والجمال. ومع تطور التكنولوجيا وانتشار وسائل الاتصال الإلكتروني، نتساءل عما إذا كانت تلك القطع الفنية الصغيرة قادرة على مواكبة تلك التغيرات أم أنها ستظل جسرًا زمنيًا يربط بين ماضٍ جميل ومستقبلٍ مجهول.
في مسعى للوقوف على أسرار وجاذبية الطوابع البريدية في سلطنة عمان في زمن التحول الرقمي، التقيت بعدد من الخبراء والمعنيين بهذا النطاق.
رحلة الزمن عبر الطوابع: جمال التاريخ والتراث في سلطنة عمان
يقال بأن أن تاريخ وحضارة البلد يظهر على طوابعها، وتتجلى هذه الحقيقة بشكل مميز في الطوابع البريدية العمانية. فقد أظهرت هذه الطوابع، خلال فترة طويلة، البُعد التاريخي والحضاري الفريد لسلطنة عمان، احتفاءً بالمناسبات الوطنية والتاريخية الهامة.
فمنذ إصدار أول طوابع بريدية عمانية في 30 أبريل 1966م، عكست هذه الطوابع جمالية الخنجر العماني وموانئها الساحرة، و قلاعها الشامخة، مكنونةً في تفاصيلها جاذبية التراث والتاريخ. وما يميز الطوابع البريدية العمانية هو حضور عنصر الشعار الرسمي للدولة، الذي يعبر عن الهوية والوحدة الوطنية.
في هذا السياق، قام الأستاذ حمود الهنائي المدير المختص بالمديرية العامة لتنظيم الوثائق بهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية بتقديم مجموعة فريدة من الطوابع العمانية، تجسد أناقة وأصالة مفردات التراث
صورة 1 مجموعة الطوابع العمانية 1966م
كما ظهرت القلاع العمانية في مناسبات عديدة مثل طوابع العيد الوطني 1978م
صورة 2 طوابع العيد الوطني 1978م
وكما ظهرت الجوانب الحضارية والتراثية في طوابع بريدية عديدة مثل مجموعة العيد الوطني 1977م
صورة 3 العيد الوطني 1977م
كما تضمنت بعض الطوابع البريدية المهن والحرف التقليدية العمانية صدرت أولها في 1988م
صورة 4 الصناعات التقليدية العمانية 1988م
ريادة في عالم الطوابع: تعزيز مستقبلها بواسطة التكنولوجيا الرقمية
وقال الأستاذ حمود الهنائي حول مستقبل الطوابع البريدية في عصر الرقمنة : بالماضي كان إصدار الطوابع البريدية يتطلب مصمما ماهرا لتصميم الطوابع، وقد كانت الطوابع البريدية العمانية، ذات جودة عالية بالتصميم، واستعانت الجهات المسؤولة عن إصدار الطوابع البريدية بالمصمم الراحل الفنان محمد بن نظام شاه البلوشي، وبعد ظهور التقنيات الحديثة وجب الحضور التكنولوجي في تصميم الطوابع البريدية، وظهر ذلك في الطوابع بأنماط مختلفة، وربما أقرب مثال بطوابع العيد الوطني الـ53 في 18 نوفمبر 2023م .
صورة 5 : طوابع العيد الوطني 53 المجيد 18 نوفمبر 2023م طبع بتقنية انتاجليو أحادي اللون
ويوافقه الرأي الدكتور أيمن عبد الرحمن إسماعيل أستاذ علوم المعلومات المساعد بجامعة الشرقية من قسم إدارة الوثائق والمحفوظات بقوله: أن سلطنة عمان كانت ولا تزال تسعى في مواكبة أحدث التقنيات المستخدمة في الطوابع البريدية.
وأضاف الدكتور أيمن : يأخذ العالم البريدي خطوة نحو التحول والتجديد باستخدام التكنولوجيا الرقمية لتعزيز دور الطوابع في المستقبل. يتضمن هذا التحول دمج التكنولوجيا وعرضها بأبعاد ثلاثية من خلال تقنيات الواقع المعزز، مما يضفي جاذبية جديدة على هذه القطع التقليدية ويثري تجربة جمعها. بالإضافة إلى ذلك، يستفيد القطاع السياحي من التطبيقات المتقدمة التي تروج لجمال وتاريخ سلطنة عمان، ويتسنى التنوع الثقافي واللغوي بفضل استخدام وسائل الترجمة الآلية. ولتشجيع الإبداع، تفتح الفرص للمصممين والفنانين لإبهار العالم بتصميمات جديدة للطوابع، نشرها بكل رونق عبر المنصات الرقمية.
توثيق الهوية: تأثير الطوابع في بناء الانتماء والتفاعل الاجتماعي
من جانبه قالت د. حنان بنت محمود أحمد – مديرة دائرة المعارض الوثائقية بهيئة الوثائق- : إن الطوابع البريدية توثق في كل اصدار حدث مهم في سلطنة عُمان و رموزاً و أحداث وكلها تتشكل من عناصر الهوية الوطنية العمانية،لذلك أهمية الطوابع في توثيق عناصر الهوية وتناقلها عبر الأجيال مهمة جداً، كما أن جميع إصدارات الطوابع لا تخرج عن التراث المادي والغير مادي وهي أيضاً من أهم مرتكزات الهوية الوطنية إذ أن الهوية الوطنية تشير إلى القواسم المشتركة التي تجمع بين أفراد شعب ما يميزه عن باقي الشعوب من عناصر مادية وغير مادية وتراث وثقافة وأنماط السلوك واللغة والموروثات التي تناقلت عبر الأجيال.
تحديات وآفاق: مستقبل الطوابع البريدية في ظل التحولات التكنولوجية
في ظل التحولات التكنولوجية السريعة، يشير الأستاذ حمود الهنائي إلى أن التحديات تتمثل في تقدم وسائل التواصل الاجتماعي والتسارع في التكنولوجيا، ما أدى إلى فقدان الحاجة للبريد التقليدي. يشير إلى أن الجيل الجديد يظهر قلة اهتمام بالطوابع البريدية، وأن هواية جمعها أصبحت نادرة.
من جهته، يؤكد زكريا الخروصي أن مع التقدم التكنولوجي والثورة الصناعية الرابعة، قل الاعتماد على الطوابع البريدية. يشير إلى أن البريد الإلكتروني وتطبيقات الهواتف الذكية قد حلت محل الرسائل التقليدية، مما يجعل استخدام الطوابع البريدية أمرًا نادرًا في ظل هذه التحولات التكنولوجية السريعة.
جيل مستلهم: دور الطوابع البريدية في إلهام الشباب لاستكشاف التراث
في سياق تشجيع المشاركة الشبابية، أسهب الدكتور أيمن حول جذب الملهمين من الشباب وحثهم على تسليط الضوء على شخصيات تاريخية فى السلطنة والتفاعل مع الجامعات والمدارس وعقد ورش فنية وبرامج توعوية ومعارض فنية وثقافية والمشاركات في الفعاليات ووسائل التواصل الاجتماعى باستخدام كافة الوسائل التكنولوجية المتطورة .
وتتقدم المبادرات العمانية في هذا السياق، حيث أصدرت هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية كتابًا يوثق تاريخ الطوابع العمانية، مُظهرةً كيفية أن تكنولوجيا اليوم تُظهِر الجمال والتاريخ بطرق مبتكرة. ولتحقيق هذا التكامل بين التقليد والحداثة، تأتي المبادرات التكنولوجية مثل Google Arts & Culture، Europeana، وMENA Digital Heritage لتعزيز التواصل الرقمي في سرد القصص التاريخية والثقافية.”
ويضيف زكريا الخروصي مهتم في مجال الطوابع البريدية قائلا: عبر تصميم طوابع تعكس لحظات مميزة من تاريخ عمان وإصدارها بشكل دوري، يمكن للطوابع أن تشعل شرارة الفضول لدى الشباب، دافعًا إياهم لاستكشاف وفهم التراث والتاريخ العماني بطريقة إبداعية وملهمة. حيث يمكن استخدام الطوابع كوسيلة تثقيفية يمكن تعزيزه بطرق مبتكرة، فقد يتضمن ذلك إقامة مسابقات تصميم للشباب حول أحداث تاريخية هامة في عمان، مع إصدار طوابع خاصة بالمناسبات. يمكن تعزيز الوعي عبر حلقات توعية في وسائل الإعلام وإدراج تاريخ الطوابع العمانية في المناهج الدراسية. كما يمكن تنظيم مؤتمرات وندوات لمناقشة أهمية الطوابع البريدية وربطها بالأحداث التاريخية. تلك المبادرات تشجع على إبراز الدور البارز للعمانيين في التاريخ وتعزيز الفهم والاهتمام بالتراث الوطني.
تظل الطوابع البريدية تحفًا تاريخية تروي قصصًا فريدة، ورغم تحديات التكنولوجيا، يمكن للإبداع أن يلقي جسرًا بين الماضي والحاضر. إن استمرارية هذه القطع الفنية تعتمد على قدرتنا على اكتشاف طرق جديدة لجعلها جزءًا من حياتنا المعاصرة، محتفين في الوقت نفسه بتراثنا بطرق تلهم وتثري تجارب الأجيال القادمة.
ويبقى السؤال، في ظل التطور التكنولوجي السريع، هل تظل الطوابع البريدية في سلطنة عمان قوة فنية وتاريخية جاذبة، أم ستكون لها مكانة محدودة في عالم يتسارع نحو الرقمنة؟