ثم ماذا بعد شاهين ؟
إعداد: أشواق العمرية
مع مرور الذكرى السنوية للأنواء المناخية (شاهين)، التي عصفت بمحافظات شمال سلطنة عمان، وبالتحديد ولايتَي السويق والخابورة، التي تعرضتْ للتأثير المباشر لهذه الأنواء، ما زالت تلك الذكريات تعصف وتمرّ على الأذهان إلى يومنا هذا، فإذا لم تكنْ بالصور والفيديوهات المحفوظة، فإنها تمرّ بآثارها الباقية، نعم، مرّ وقتٌ طويل على هذه الكارثة، إلا أنها خلّفت العديد من الدلائل على قوّتها.
بداية هذه الرسالة كانت عنواناً فرعياً بمسمى (أين تصريف المياه؟)، فمع الإدراك لمدى تعقيد وتشابك مشكلة تصريف مياه الأمطار المتجددة في كل عام، تبدو مسألة حصر المسؤولية بجهة واحدة غير مجدية أو مفيدة، و جرت العادة على تحميل كل طرف من الأطراف المعنية في هذا الشأن مسؤولية هذا الخلل.
سنواتٌ كثيرة تمرّ علينا بصوت أنين المواطنين المتضررين جرّاء الأنواء المناخية المختلفة، فهنا الوالد مبارك بن سالم الهنداسي، يحكي قصة معاناته ومعاناة أهل القرية قائلاً:
يعتبر مشروع طريق الباطنة الساحلي من المشاريع التنموية غير المخطط لها بالشكل السليم، فبعد كل تلك التخطيطات التي تم نشرها حول هذا الطريق منذ أكثر من ١٥ عام إلا أنه لم يرى النور إلى الآن، تم نقلنا من مناطقنا بالقرب من البحر وفي مكان مرتفع لم تصلنا فيه الأودية إلى موقع جريان الأودية، لنعاني منذ انتقالنا إلى يومنا هذا الأمرّين، جاءت الوعود عن مخططات وطرق مرصوفة ومكان مميز، إلا أننا فُجعنا بالواقع، السيول تدخل علينا البيوت ونحن نيام لا ندري، ونعاني لأسابيع وأحياناً لأشهر حتى نعود لحياتنا الطبيعية، استُنزفت طاقاتنا في حماية أرواحنا وأرواح أهالينا وممتلكاتنا من الأودية التي تفاجئنا بشكلٍ سنوي، مسببةً خسائر مادية ومعنوية وتعطل كبير في حركة النقل.
المشكلة معروفة وهي واضحة كوضوح الشمس، والحلول المناسبة موجودة إلا أنها تشهد ترددات من الجهات المعنية، المسؤولون يزورون المناطق بين وقت وآخر طوال العشر سنوات الماضية، وقائمة الوعود تطول والمحنة تتزايد يوماً بعد يوم، من جهةٍ أخرى نجد بأن هناك مشاريع أخرى غير خدمية تُنشأ من اللاشيء إلى الشيء، وكأن قائمة الأولويات المجتمعية اختلفت وتنامت لتَحول بين المصالح العامة والخاصة، لذا نطالب الجهات المعنية بمراجعة حساباتها في هذا الشأن، وإعداد لجنة خاصة تحت اسم (الوفاء بالوعود)، وتشكيل لجنة أخرى ذات كفاءة لمعالجة الأضرار الناتجة من هذه المشاريع العشوائية.
طبيعة المسؤولية عن تصريف المياه تبدو شائكة، رغم أن الأنواء المناخية قد أظهرت العيوب، وأثبتت أن التخطيط العام للمناطق المتضررة لم يكن سليماً أبداً، خاصةً إذا علمنا أن مسؤولية دوائر البلديات في الولايات تنحصر في جوانب محددة وبإمكانيات بسيطة جداً تحاول جاهدة فيها أن تغطّي ولو جزءً بسيطاً من واجباتها الوطنية، وبالنظر إلى الأضرار التي خلّفتها الحالة نجد أن هناك حلولاً مؤقتة اتُّخِذت في بعض المناطق من أجل تخفيف المعاناة على المواطنين، وهذه الحلول تُسبّب أعباءً مالية كبيرة بسبب تكرار العمل عليها، فعلى سبيل المثال:
يتم صيانة الطُّرق الواقعة على مجاري الأودية باستخدام معدّات مختلفة، وأحياناً يتم التعاقد مع شركات متخصصة في هذا الجانب وبمبالغ مالية عالية، إلا أنها ومع عودة جريان الأودية نجدها تعود كما كانت، بل وفي أحيان أخرى تتضرر بشكل أكبر، وهو ما يُؤخّر أعمال الصيانة والرصْف، والضحية كالمعتاد هو ذاك المواطن الذي كان يعوّل على نفسه برؤى وأفكار جديدة تخدمه وتخدم الآخرين.
هنا كان لا بدّ من ملامسة الأمر بواقعية مُطلقة بلا حدود، حيث التقيتُ بعددٍ من أهالي منطقة “الغليل”، الواقعة في وسط الوادي الذي لا يُبقي ولا يذر عند نزوله، كما تحدثت الوالدة “لهيه الهنداسية” قائلةً:
ما زلتُ أعاني وأدفع ثمن أضرار شاهين إلى الآن، فالأمر لم يكن للأحسن بل للأسف أصبح منزلي بوابة استقبالٍ لهذه الأودية، وقد نزل مستوى المنزل للأسفل، وأصبح متهالكاً جداً، فلا أعلم ماذا أفعل؟ أصبحتُ حائرةً عندما تجرف مياة الوادي وتحاصر المنزل من الخلف والأمام، بات هذا الأمر يرعبني ويقلق أسرتي، ونحن الذين كُنّا نفرح لهذا الخير، والآن أصبح كابوساً يؤرقنا، أصبحتُ مصابةً بأمراض القلب والتعب والمرض، ما عدتُ أدرك ماذا أفعل وكيف سأسدد الديون التي أرهقت كاهلي وأخذتها من بعض المعارف لأصلح منزلي بعد أن عاثت به المياه خراباً؟، فالجميع أصبح يطالب بأمواله وأنا لديّ أيتام، وأمري لله وللشؤون.
لا ننكر بأن ولاية السويق شهدت إتمام بعضٍ من المشاريع التي بوركت بأوامر سامية من أجل إصلاح ما خلّفه شاهين، ولله الحمد تمّ إنجاز ما نسبته أكثر من ٩٠٪ منها، إلا أننا وقبل أيام صُدمنا بمشاهد الأودية وهي تفيض على الطرق الرئيسية والفرعية بالولاية، ودخولها للمنازل والمَحالّ التجارية والمزارع وغيرها، مخلفةً أضراراً كبيرة، والسؤال المطروح:
ألم نستفد من التجارب السابقة؟ وهل ما زلنا نستقبل الدروس؟
ختاماً، هناك حراك وجهود واضحة لدينا من قِبل الجهات المعنية من أجل معالجة هذه الأضرار، إلا أنها لم تحظى بالمباركة إلى الآن، لا نعلم ما هي الأسباب التي تؤخّر تنفيذ هذه الحلول إن طُرحت فعلاً، ولا ندري إلى متى سيستمرّ أنين المواطنين في هذه المناطق، لدينا العديد من الخيارات المتاحة لمعالجة هذه المشكلات، لكنها تحتاج إلى خطوة جريئة وعقول تستطيع صنع القرار لإتمام عملية المعالجة.