كتاب “سموني سارا” للدكتورة أمل الحرملية ورسائل الميتم التي شغفت القراء حبًا بها
حاورها: أحمد بن سليم الحراصي
“أعتقدت يومها أنه يمكن لجميع الأطفال الانتقال إلى بيوت أخرى، وأنني واحدة من هذا الجمع الغفير، لكنني بعد أن خرجت إلى الجوار عرفت أن كل الأطفال يبقون في بيوتهم الأولى، والذين يغادرون إلى بيوت أخرى هم نحن! ونحن نحمل أسماء وصفات كثيرة، كلها لم نخترها، حتى اسم سارا لم أختره، ومع ذلك فأنا أحبه، وأحب أنهم سموني سارا” (نص من رسائل الميتم في كتاب سموني سارا).
أمل الحرملية هي باحثة، كاتبة، مؤلفة، صحفية إعلامية، مدربة، معلمة، أكاديمية وناشطة اجتماعية، ألفت أجنحة منفية (خواطر أدبية)، وسموني سارا (أدب الرسائل)، كما أن لها العديد من المقالات والنصوص المنشورة في جرائد ومجلات وصحف إلكترونية مختلفة محلية ودولية.
قدمت الكاتبة أمل الحرملية في روايتها (سموني سارا) وصفًا دقيقًا للأحداث المؤلمة التي عانت منها فتاة يتيمة مجهولة الأبوين تدعى (سارا) التي وجدت من (آماليا) -وهي امرأة محرومة من الذرية- صديقة لها فكانت بينهما تلك الرسائل التي تناقلت في الميتم في ظل جائحة كورونا، حيث تعيش (سارا) تحت كنف أم احتضنتها في ذلك الميتم.
وطرحت الرواية الصادرة عن مكتبة بذور التميز الظروف التي يعانيها الأطفال مجهولي النسب وحاولت الكاتبة بدورها إيقاظ الحس الإنساني والضمير الحي بداخل تلك الرسائل التي كتبتها والتي بدورها أرادت أن توصل رسائل مهمة إلى أولئك الذين يرتكبون المعاصي والآثام بدافع الحب والعشق والهيام أو الغرائز الجنسية ويذرون بعدها أطفالًا كـ (سارا) يبحثون عن آبائهم وأمهاتهم الذين تركوهم يعانون المصير المجهول الغامض لوحدهم، فأي ضمير إنساني هو هذا؟ وتضيف الحرملية: أردت في هذا الكتاب أن أمنح هؤلاء الأطفال طريقا جديدا عبر تقديم سارا كقدوة، وكفتاة قوية استطاعت انتشال نفسها من الصراع القائم داخلها وبينها وبين عالمها، مؤمنة باستحقاقها للحياة وجدارتها في أن تعيش بكرامة، كأي إنسان آخر. وتأتي الرسائل هذه على شكل قالب من المعاناة التي تعاني منها سارا وآماليا وهي قصة حقيقية كما تقول الكاتبة بشأنها بأن جميع أحداث الكتاب حقيقية حدثت لأطفال من دور الأيتام مع اختلاف الأسماء، أما سارا فهي شخصية وُلدت من مخيلة الكاتبة.
وعن الكتاب تقول الكاتبة أمل: سموني سارا” هو كتاب في أدب الرسائل أكثر من كونه رواية؛ إذ أنه يشتمل على 20 رسالة متبادلة بين شخصيتين مركزيتين هما آماليا الباحثة عن الأمومة، وسارا الباحثة عن أمها، تدور أحداث هذا الكتاب في فترة الإغلاق والعزل التي صاحبت جائحة كورونا حين تقرر الكاتبة آماليا اتخاذ قرار ترددت بشأنه طويلا وهو زيارة الميتم والتفكير في احتضان (تبني) طفل منه؛ وبعد منعها من مخالطة أطفال الميتم نتيجة انتشار عدوى الفيروس، تقترح عليها إدارة الميتم مراسلة الأطفال، ولتكن رسائلها لفتاة اسمها سارا، فهي تحب القراءة والكتابة، ومن هنا انبثقت فكرة الكتاب.
وأكملت الكاتبة بقولها: تخصصي الدراسي هو الفيزياء ثم أكملت الدكتوراة في الإدارة، ولم أدرس الأدب أو فنون الرواية، إنما أكتب ما يلهمه إياي عقلي، وهذا الوحي غير مؤطر بدراسة أدبية مقننة، إنما ينسكب من تلقاء نفسه، الأمر الذي جعلني غير مدركة للفوارق بين أدب الرسائل والرواية، ولكنني فهمتها من قراءات الأديب عبد الرزاق الربيعي لكتابي، إذ يقول في نقده للكتاب:
“لجأت الكاتبة لأسلوب السرد بطريقة تبادل الرسائل، وهذا أثّر على البناء الدرامي، كان بالإمكان الخروج من الاعتماد الكامل على طريقة السرد بالرسائل إلى أسلوب الراوي العليم لكي تتمكن الكاتبة من إضافة أحداث وتفاصيل أخرى تعمق الأسلوب الفني الروائي وتسجل حضور الحبكة الدرامية في النص”
مما يعني أن تصنيف كتابي كرواية هو تصنيف غير دقيق، وأن الأصوب اعتبار مرجعيته أدب الرسائل.
وعن العنوان الذي يبدو غريبًا؛ فاسم سارة يكون بالتاء المربوطة وليس بالألف الممدودة (سارا) كما استخدمتها الكاتبة في كتابة الشخصية في نصوصها، تجيب الكاتبة: الإجابة على هذا السؤال تقتل الفضول لدى القارئ الذي لم يقرأ الكتاب بعد، فالإجابة مخبوءة بين سطور الرسائل.
وعن سؤالها فيما إن كانت واجهت صعوبات أثناء كتابة الرسائل أو انتقادات أو إشادات أخرى، أجابت:
لم أواجه صعوبات تُذكر أثناء تأليف الكتاب أو طباعته، أما بخصوص ردات الفعل من القراء، فقد وصلني عدد كبير جدا، اتفقوا جميعا على أن الدموع وإحساسا بالحزن العميق انتابهم أثناء قراءة رسائل سارا وآماليا، وأن الكتاب جعلهم ممتنين للكثير من النعم التي بين أيديهم لكنهم كانوا يحسبونها نوعًا من المسلّمات، مثل معنى أن يكون لديك عائلة، كما أن الكثير منهم اقتبسوا بعض العبارات من الكتاب فصمموا باستخدامها صور وفيديوهات ولوحات مكتوبة، الأمر الذي أسعدني حقا.
أما فيما يخص آراء النقاد فلم يصلني إلا الرأي الخاص بالأديب عبد الرزاق الربيعي، وأقتبس من قراءته للكتاب: “كنت أتمنى أن تعرض الكاتبة لنماذج أخرى فشلت في المواجهة وانتهت إلى الضياع كما يحدث واقعياً في كثير من مجتمعاتنا”، وكان ردي حيال هذا النقد البنّاء أن حياة الأطفال مجهولي النسب وأطفال دور الأيتام على وجه العموم حظيت باهتمام السينما والروائيين على حدٍ سواء، ودائمًا ما كانت تبرز الأجزاء المعتمة وحدها من حياتهم، وأن الأمر ينتهي بهم ضائعين تائهين مدمنين جانحين للانتحار، وغيرها من النهايات المؤسفة والصادمة.
-أضافت الكاتبة بريدًا إلكترونيًا في الرسالة الأخيرة من الكتاب للقراء ليكتبوا لسارا وآماليا ما يحسون به، فهل تلقت رسائل منهم؟
نعم وصلت رسائل من القراء، أقتبس منها بعض السطور:
• سارا الجَميلة أحببتك شخصاً قوياً لامعاً، يبدو الميتم مُشِع بوجودِك يا نَجمة. فأنتِ مثال للشجاعة ذاتها، شكراً لتقبلك على العَيش في مكان وجدتي نفسك مزروعة فيه دون خيارٍ ولا رغبة منك، شكراً لصبرِك وشكراً لبقائك ويقينك بأنّ ثمّة أيام سَعيدة سَتأتي لا محالة وأن وهجَ النّور سوف يتسلل قلبِك ليبقيه مُشِع.. يا سارا تمنياتي لك بحياة جامعية مُوفقة وبدروبٍ محفوفة بالنجاحات المتتالية وحياة برّاقة مليئة بالسّعادات، دُمتي دائماً في أَلَق.
• أتمنى لكُنَّ أيامٌ خالِية من المنغصات، أيامٌ مُحققة لكل ما تتمننَّ، أيامٌ جابِرة، ولقلبيكما السّعادة وجُلَّ السّلام (قلب أبيض)
. الرسالة التي لا أعلم كم تعدادها: بداية أعتذر لكليكما -سارا وآماليا- على تأخري الشديد في قراءة رسائلكن إلى هذا الوقت برغم مرور الكثير عليها. ولكن منذ أن وصلني كتاب رسائلكن شرعت بقرائته حتى أنهيته بجلسة واحدة. وأنا بكل مرة كُنتُ أقرأ جزءاً منها كُنتُ أُرسل لكليكما رسائل وردوداً بعقلي وددتُ لو أنّي كتبتها برسالة ووصلت لكنّ.
سموني سارا، الكتاب الأكثر مبيعًا من بين كتب الأدب في ركن بذور التميز في معرض مسقط للكتاب 2023، يقول أحدهم في وصف رسائل الكتاب: من المستحيل أن تمر من هنا وعبر هذه الرسائل دون أن تلامس ذاتك وتوقظ ضميرك على فئة مجتمعية ربما الكثير منا غافلاً عنها. سارا التي ولدت من أب وجد واحد لتجد نفسها وحيدة وفي كارثة لا تُحتمل وتردد: سمّوني سارا، ألفاً مصلوبة ممدودة، هكذا يُكتب اسمي، وهكذا يُكتب قدري.