2024
Adsense
أخبار محلية

سلسلة .. أدم قلب عمان (8) الشيخ الجليل خلفان بن خميس بن علي المحروقي 

 كتب – محمود الخصيبي

الحكمة والعزم، والشجاعة والكرم، أرسى بها الشيخ خلفان بن خميس المحروقي مسيرته في مشيخة ولاية أدم، وقد أمضى أعوام حياته المباركة في بناء النسيج الاجتماعي الفريد لهذه الولاية العريقة، ومع تباعد الأيام على وفاته إلا أن مآثره وسيرته ومواقفه لا تزال حديث أبناء الولاية فقد توارثوها أباً عن جد لأنها جزء أصيل من تاريخ الولاية، ومن المؤكد أن سيرته العطرة وجوانب حياته تستدعي صفحات طويلة في مجلد التاريخ، إلا أننا نضع بين يدي القارئ الكريم ملامح من حياته نقترب عبرها من أسوار العزة والقيم العمانية الرفيعة.

١)- نسبه ونشأته:
اسمه: الشيخ خلفان بن خميس بن علي بن مبارك بن محمد بن سعيد بن تميم المحروقي
ولد الشيخ عام ١٨٨٠ م على وجه التقريب في ولاية أدم، زمن حكم السلطان تركي بن سعيد بن سلطان البوسعيدي (1871- 1888).
نشأ الشيخ خلفان بن خميس مع والده الشيخ خميس بن علي بن مبارك وعاصر جده الشيخ علي بن مبارك بن محمد المحروقي، كما عاصر الشيخ خلفان إخوانه سعيد بن خميس وحمد بن خميس وسالم بن خميس وناصر بن خميس وتعلم الفروسية والشجاعة التي عرف بها واشتهر بلقب راعي ظبية نسبة إلى ناقته ظبية.
وكانت ولادته في حارة “مبيرز”، وتعد هذه الحارة من أقدم الحارات في وسط الولاية وسميت بذلك لأن القبائل تبرز تحت عقودها المرتفعة والتي تصل الى ٦ أمتار تقريبا وتلتقي فيها لوجود مشيخة القبيلة والولاية.
وحارة مبيرز مبنية على ربوة مرتفعة، وتتميز بفخامة بيوتها المكونة من طابقين وذات غرف متعددة، كما أن سكك الحارة مسقوفة بعقود مدببة وضيقة نسبياً وأسقف غرف المنازل مزخرفة بزخارف نباتية وهندسية، للحارة مدخـل واحد مبني من الــــصاروج والحجارة، تعلو المدخل مزاغل وسقاطه وما زالت بعض بيوت الحارة قائمة حتى الآن.

٢- مشيخة القبيلة ومرجعية الولاية:

يعد الشيخ خلفان بن خميس الشيخ المرجعي للولاية وقد آلت إليه المشيخة بعد وفاة والده وذلك في أوائل القرن الماضي وقد أرخ لذلك الرائد البريطاني اف سي شونسي Major. F.C.L Chauncy عام ١٩٥١م في مذكرته حول قبائل سلطنة عمان وعمان، حيث زار الخليج وعمان ومر على أدم وذكر أن عدد سكان أدم يزيد عن 1500 نسمة تقريبا وعدد بيوتها حوالي 500 بيت وأن مشيخة القبيلة بيد خلفان بن خميس المحروقي.

٣)-الفترة التي عاش فيها الشيخ:

عاش الشيخ خلفان بن خميس خلال فترة الحربين العالمية الأولى (1914- 1918م) والثانية (1939 م- 1945م) والتي أطلق عليها العمانيون المجاعتين (المجاعة هي ندرة في الغذاء على نطاق واسع)،حيث شهدت فيها البلاد الجوع والخوف والنهب وكثرة الاعتداءات على البلد وأهلها من قطاع الطرق وبعض القبائل المحيطة بالولاية.
وكانت عمان تحت  حكم السلطان تيمور بن فيصل (1913م – 1932م) وبعده تولى إبنه السلطان سعيد بن تيمور، وكام يحكم عمان الداخل الإمام محمد بن عبدالله الخليلي (1919م- 1954م).

٤- دور الشيخ خلفان بن خميس في الأمن الاجتماعي للولاية وسكانها:

 على الرغم من الظروف العالمية والمحلية السائدة إلا ان الشيخ خلفان بن خميس  استطاع في تلك الفترة أن يؤمن لأهالي الولاية القدر الملائم من الاكتفاء والتكاتف بينهم من خلال إرساء نظام تكافلي بين أبناء الولاية والاعتماد على الموارد المتاحة خاصة الزراعة والرعي، كما ألزم المقتدرين من أبناء الولاية من كافة القبائل بتشغيل المعسرين ومن يعانون من شظف العيش في الأعمال المتعلقة بالزراعة والرعي والحراسة ومن ذلك ما حدث أن رجل فقير من قبيلة اخرى جاء الشيخ خلفان ملتمساً منه أن يساعده في البحث عن عمل له فأمره بالذهاب إلى رجل ميسور الحال من قبيلته للعمل لديه وتجهيز غرفة له للسكن (حراسة) فما كان من الرجل الميسور إلا أن شغله لديه ووفر له المسكن قائلا له كلام الشيخ خلفان ما يرد.
كما كان الشيخ خلفان حريص على أمن الولاية وسكانها وتجنيبهم الحروب القبلية التي كانت سائدة آنذاك من خلال إشراك الجميع في الحماية والأمن المحلي للولاية.

كما كان الشيخ خلفان حريص على استقطاب الأثرياء للولاية لينشطوا الأعمال ويشغلوا الرجال حيث ذكر لي الوالد علي بن عمير الرقمي أن الشيخ خلفان بن خميس طلب من والده عمير الرقمي -وهو ميسور الحال ويشتهر بالكرم أيضا- أن ينتقل من بلدة المعمور إلى أدم وسكن حارة بني وائل ويشتري بعض الأموال فيها حيث كانت لديه أموال في منطقة سلوت ببسياء وكذلك في المعمور واستقرت أسرته بكاملها في أدم حيث أقام أبنائه عامر وعلي وناصر بن عمير الرقمي فيها.

٥ – دور الشيخ خلفان بن خميس في الحفاظ على أمن الولاية واستقرارها:

اهتم الشيخ خلفان بأمن واستقرار الولاية خاصة بعد الخلاف الحاصل بين المحاريق وقبيلة الجنبة والتي امتدت عدة سنوات وكانت تعقد هدنة سنوية في سبلة الرحبة بحضور القيادات الإجتماعية بين الطرفين؛ ومن أحد الأسباب في الخلاف تعرض أفلاج الولاية بغلق ثقاب أفلاجها والمجرى الرئيسي لمدة تزيد عن الشهرين حيث قام أحد العابثين من خارج الولاية بتعبئة أكياس من الرمل ورميها في ثقاب الأفلاج مما اضطر الشيخ خلفان استئذان الإمام محمد بن عبدالله الخليلي (1919م- 1954م) في تحصين البلد وخاصة عند ثقاب الأفلاج وبناء عدد من الأبراج (قلاع) عند ثقاب فلج العين والمالح وكذلك بناء مجموعة من الصباحات وعمل أبواب لها تحمي الحارات لحماية البلد وأهلها من كيد المغرضين والمعتدين على الولاية وأهلها في ذلك الزمان.


كما شارك الشيخ خلفان بن خميس مع الشيخ هلال ابن اخيه حمد بن خميس في الصلح الذي دعا إليه الامام محمد بن عبدالله الخليلي والذي تم بين مشايخ المحاريق والشيخ منصور بن هلال المجعلي بحضور العلامة الشيخ عيسى بن صالح الحارثي وذلك في يوم ٢١ ذي الحجة عام ١٣٤٢ هجرية.

وقد اتخذ الشيخ خلفان بالقرب من الحصن في سوق الولاية برزة له لمراقبة ومتابعة أحوال الناس والنظر في قضاياهم والصلح بينهم ومن ذلك أن أحد الرشداء في قبيلة من قبائل الولاية أراد عمل برج على طرف مزرعته شرق الولاية وجاء الى الشيخ خلفان رجل من قبيلة أخرى يشتكيه لقيامه ببناء برج ظنا منه أنه يريد من ذلك مهاجمة حارتهم واطلاق النار عليهم لكن الشيخ طلب صاحب البرج للاستيضاح منه وأبلغه بشكوى الرجل من القبيلة الأخرى ولكنه أوضح للشيخ بأن الهدف من بناء البرج حماية الولاية من جهة الشرق كونها مفتوحة وحتى لا يتعرض الفلج أو المزارع للتخريب والهدم فأقره الشيخ على عمله بعد أن تيقن من صدقة وأامره بمواصلة بناء البرج مع الاستعانة بالمواد اللازمة للبناء من مزارع وأدوات الرجل الشاكي بعد اقتناعه بحكم الشيخ خلفان وأطلق الشيخ خلفان على البرج اسم برج “غياض” وهو ما زال قائم حاليا وتم ترميمه من قبل وزارة التراث والثقافة.

٦- برزة الشيخ خلفان وعلاقته بقبائل عمان:

كانت السبلة الغربية في الولاية مكان برزة الشيخ خلفان الرسمية التي يلتقي فيها بإخوانه وأبناء عمه للتشاور في مختلف الأمور التي تخص الولاية، وكان أيضا يستقبل فيها ضيوفه من داخل الولاية وخارجها.
وقد كان الشيخ خلفان حريص على تمسك أهل الولاية وأبنائها بالعادات والتقاليد وتوفير الحماية الشخصية لهم أنه يعنف من يجده يمشي خارج بيته بدون خنجره أو بندقيته أو عصى (الباكور) في يده وكان ينهر أيضا من يجده في السوق بدون ذلك حتى يكونوا على جاهزية للنجدة أو الفزعة أو “الثيبة” كما تسمى بالمحلية.

ومن مواقف كرم الشيخ والتي يضرب بها الأمثال أن جاءه ضيف ومعه إبل ويريد أن يطعمهن وما كان حينئذ متبقى مع الشيخ خلفان إلا نخلة واحدة غير مجدودة يأخذوا منها احتياجهم من الرطب فما كان من الشيخ خلفان إلا أن أمر خادمة بقطع العذوق (جداد) النخلة وإطعام الإبل منها.
ومن شهرة الشيخ بين القبائل فقد كان ملجأ لحل النزاعات والقيام بالوساطة في ذلك حيث قام بحل نزاع بين قبائل الجنبة في الشرقية.
وللشيخ خلفان بن خميس المحروقي دور بارز في فزعة ونجدة من وفد إليه ومن ذلك أن أحد من القبائل المعروفة في ساحل عمان “سابقا” والذين جاؤوا من جهة طريق الظاهرة الى عمان الداخل تم سبي أحد خادماتهم، ووجههم الشيخ ياسر بن حمود المجعلي إلى الشيخ خلفان باعتبار أن أدم وما جاورها تبعته فاستقبلهم الشيخ في ضيافته وأبناء عمه حتى يرجع لهم ما تم سلبه منهم وفعلا قام الشيخ خلفان بتقديم العون وإرجاع الخادمة لأصحابها بعد أن استرجعها من قبل من قام بسبيها في المناطق المجاور للولاية.

٧-أبناء الشيخ خلفان وأحفاد.

للشيخ خلفان مجموعة من الأبناء الذكور وهم محمد وسالم وعلي وعبدالله وخليفة وناصر ومجموعة من البنات، وعائلة الشيخ باقية ولأحفاده دورهم الريادي في مسيرة الولاية في النهضة المباركة، ويشغل حفيده سعادة الشيخ سالم بن حمد بن سالم بن خلفان بن خميس المحروقي منصب عضو مجلس الشورى للفترة التاسعة، كما مثَّل حفيده الشيخ مبارك بن عبدالله بن خلفان بن خميس المحروقي ولاية أدم في المجلس البلدي لفترتين، ولحفيده الشيخ الدكتور ماجد بن ناصر بن خلفان بن خميس المحروقي الذي كان يعمل مديرا في المعهد العالي للقضاء مساهماته الفاعلة في الأنشطة الرسمية ومجالات الخدمة المجتمعية والأنشطة الثقافية.

٨- وفاة الشيخ خلفان بن خميس، والمشيخة من بعده:

توفي الشيخ خلفان بن خميس في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي حوالي ١٩٤٨ على الأقرب.
وقد استلم المشيخة من بعده ابنه الشيخ محمد بن خلفان بن خميس المحروقي.
وفي بداية النهضة المباركة توسعت دائرة المسؤوليات وتأسس سجل للقبائل.
وللشيخ خلفان سيرة حسنة وشهرة واسعة بين القبائل العمانية مما عرف عنه من الشهامة والكرم والنخوة فرحمة الله عليهم جميعا.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights