2024
Adsense
أخبار محليةمقالات صحفية

حنينٌ من الماضي

يعقوب بن حميد بن علي المقبالي

شدّني الحنين وتعلّقتْ نفسي بأن أمضي قُدماً لأتذكر شيئاً من الماضي الخالد، الذي كُنّا نعيشه مع أجدادنا وآبائنا وأهلنا وجيراننا، عندما كان أهل تلك القرية لُحمةً واحدة، كأنهم رجلٌ واحدٌ، لا يوجد بينهم ما يوجد اليوم بيننا من العنتريات التي نسمعها في وقتنا هذا (أنا كذا وأنا إبن فلان، ونحن كنّا ….إلخ).

عزمتُ ذات يوم أن اترجّل مع نفسي، وبين تلك الجدران المبعثرة وسككها التي تكاد في بعض الأماكن لا يمكن أن توطئ قدميك على أرضها.

بدأتْ رحلتي إلى هناك وحبّ ذلك المكان يشدّني، وما أن وصلتُ إلى هناك، إلا وعيني تذرف دمعاً وقلبي يخفق، ونفسي تسألني: أصحيحٌ كنت هنا؟ وفي هذا المكان،
هل كانت ثمة حياة عامرة بروح التآلف والتقارب؟
أجبتها بصوت واهٍ وخفيف، والعين تدمع:
نعم يا نفسي، هنا كانت الحياة، هنا كانت الرفاهية (رفاهية ذلك الزمان) هنا كانت عزّة النفس، هنا كانت المَلحمة والاستقرار، هنا كان الصدق.

بقيتُ أخطو خطواتي إلى الداخل، وإذ بي أسمع حنين ذلك المكان ينبعث من الداخل، وأشمّ تلك الرائحة التي فقدتُها منذ عام ١٩٨٠م.
بدأتْ تلك الحجارة تكلمني: أنظر إلى ما نحن عليه؟ وطرُقها التي تكاد تنعدم هي الأخرى، تقول: أين كنت من أهل عزّتي ونشوتي؟ أنظر إليّ الآن، وتأمّل قليلاً؟

جئتُ إلى مكان مجالسهم وبداخلي حسرة وتأمُّل، حسرة أننا فقدنا تلك المجالس مع أناسها الذين أتذكرهم واحداً تلوَ آخر، وتأمُّل أنّي تعايشتُ معهم، وأخذتُ دلّة القهوة، لأصبّ لآبائنا وأجدادنا وأهلنا وجيراننا وهم يتسامرون بحديثهم الطيّب الجميل، الذي لا طعن فيه لأحدٍ من الخلائق.

تعمّقتُ إلى الداخل، ووقفتُ وقفةً تجذبني فيها الذكريات مع موقع مدرسة القرآن الكريم التي جلستُ على ترابها وأنا أتعلّم مبادئ التعليم منها الحروف الأبجدية والنحو، بعدها إلى المصحف الشريف الذي يضمّ بداخل جنباته آيات القرآن الكريم، وبجانب تلك المدرسة ذلك المسجد الذي لم يفارق تلك الحقبة من المصلّين، ومن الذين يتلون كتاب الله.

كما أخذني الارتجال إلى السبلة العامّة، وجلست على جنباتها متذكراً أيامها، لا تمرّ دقيقة واحدة إلا وبها تلك النفوس الطيّبة مع بعضهم البعض، يتحادثون عن هموم البلد، ويتدارسونها بينهم، كذلك لا ننسى ضيوفهم الكِرام، الذين لا ينقطعون عن ذلك المجلس، منهم من يزور أهله، ومنهم من يعبُر ويأتي للراحة والاسترخاء مع معارفهم، حيث كانت وسيلة النقل في ذلك الوقت المسير على الأقدام أو بواسطة الحمير أو الجِمال.

هنا بجانب المجلس تُقام احتفالات القرية كاحتفال عيد الفِطر وعيد الاضحى، تُقام الأهازيج الشعبية هنا، تتناغم أصوت الشعراء والأهازيج مع صوت الرياح لترسلها إلى قمم الجبال، تزهو الأفراح وتتآلف الأنفُس، وهنا مجموعة من النساء كذلك تعبّر عن فرحتها بطريقتها المُثلى والمتعارف عليها، كالأرجوحة وغيرها من الفنون الخاصة بالنساء.

تذكرتُ كذلك موسم العَشر من ذي الحجة، التهليل والتكبير، حيث يجتمع صغارها وكبارها لمن يرغب، منذ أول ليلة من ليالي العشر إلى ليلة التاسع من ذي الحجة، يتجمّعون ويترجّلون في سِكك القرية وهم يُنشدون كلماتٍ تتناسب مع تلك المناسبة العظيمة.

وأنا في همّة الارتجال، توقفتُ قليلاً، وقلتُ: هل سيأتي يوم ويعاد ترميم هذه البيوت وتُفتح تلك الطرق وتُضاف إلى معالم السياحة ليستمتع السائح بمنظرها؟ ولنحكي قصة هذا المكان للأفواج السياحية؟ هل يُستغلّ هذا المكان ليواكب ثورة السياحة في بلادي؟

نتمنى من جهات الاختصاص من القطاعين الحكومي والخاصّ، للاعتناء بمثل هذه الحارات والقرى القديمة، لتُضاف إلى موارد البلاد وتنعم السياحة بذاتها.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights