2024
Adsense
أخبار محلية

نسبية مبدأ شخصية العقوبة في تطبيق عقوبة نشر الحُكم

عمران بن خميس الجابري

باحث ماجستير

كلية الحقوق – جامعة السلطان قابوس

من المأمور به في السياسة العقابية، وجوب إنزال العقوبة المقررة قانوناً بوصفها أحد صوَر الجزاء الجنائيّ على مرتكب الجريمة، ولا تتعدّاه إلى سواه تماشياً مع سموّ مبدأ: لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون، كما أقرّته المادة (26) من الهرم التشريعي بالسلطنة.
ويفرض هذا المبدأ تجويداً للعدالة الجزائية بتكريس قاعدة أن الإجرام لا يحتمل الاستنابة في المحاكمة. إلا أن القوانين العقابية الحديثة أوردت العديد من العقوبات التي انطوت على بُعدٍ آخر للعقوبة، تحت مُسمّى: العقوبات التكميلية والتبعية، إضافةً إلى العقوبات الأصلية وهي الإعدام والسجن والغرامة الواردة في المادة (53) من قانون الجزاء العماني.
وتُعرّف العقوبات التبعية بأنها تلك:
“التي يقضي بها القاضي الجزائي كأثرٍ حتميّ للحُكم بِالعقوبة الأصلية” بِمعنى أن إنفاذها يتمّ بقوة القانون بمجرد القضاء بالعقوبة الأصلية المقررة للجريمة، ولو لم ينطق القاضي بها طالما أقرّها المُشرِّع، وليس للمحكوم عليه الاعتراض على إنفاذها بحقّه لعدم النُّطق بها، ولا مساغ في عدم السير في تطبيقها من قِبل الادّعاء العامّ باعتبارِه العَين الساهرة على الدعوى العمومية، ويعنى بتطبيق الأحكام الصادرة فيها. أمّا العقوبة التكميلية فهي: “تلك العقوبة التي يكون توقيعها رهناً بنُطق القاضي بها بعد إجازة القانون له بذلك”. وفي مجال بحثنا هذا سنُعرِّج إلى عقوبة (نشرِ الحكم) الواردة في الفقرة (ي) من نصّ المادة (57) من قانون الجزاء العماني باعتبارها إحدى العقوبات التبعية والتكميلية حسب السياق.
ويتبيّن من خلال استنطاق نصّ المادة (56) من قانون الجزاء إذْ قررت بأن: “تُعدّ العقوبة تبعيّة إذا كان القانون يقضي بها كأثرٍ حتميّ للحُكم بالعقوبة الأصلية، وتُعدّ تكميلية إذا كان توقيعها متوقفاً على نُطقِ القاضي بها إذا أجاز القانون له توقيعها.” ويُفهم من ذلك أن عقوبة نشر الحُكم بما أنّ المُشرّع العماني أدرجها ضمن العقوبات الواردة في المادة (57) تكون تارةً تبعيّة، بحيث تكون سلطة القاضي في عدم الأخذ بها مقيدة، وفي مقامٍ مُوالٍ تكون ذات طابَع تكميليّ يتمثّل في أن توقيعها متروك لسلطة القاضي التقديرية.
وتكون تبعية كما هو مقرر أخذاً بالمادة (90) من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب: “يعاقَب الشخص الاعتباريّ الذي تثبت مسؤوليته في جريمة غسل الأموال أو تمويل الإرهاب بغرامة لا تقلّ عن (١٠٠٫٠٠٠) مائة ألف ريال عماني، ولا تزيد على ما يعادل قيمة الأموال محلّ الجريمة، ويجوز للمحكمة أن تأمر بمنعه، بصفة دائمة أو مؤقتة، عن ممارسة أنشطته التجارية، أو بغلق مقرّه الذي استُخدم في ارتكاب الجريمة، أو بتصفية أعماله، أو بتعيين حارسٍ قضائيّ لإدارة الأموال. ويتم نشر الحكم النهائي الصادر بالإدانة في وسائل النشر.” وقد تكون تكميليَة، وآية ذلك المادة (44) من قانون حماية المستهلك: “يجوز للمحكمة في حال الحُكم بالإدانة أن تأمر بنشر ملخّص الحُكم في جريدتين يوميتين واسعتَي الانتشار، إحداهما باللغة العربية، وذلك على نفقة المحكوم عليه”.
ويَدقّ الخِلاف بشأن تحقّق مبدأ شخصية العقوبة بالوجه الذي تغيّاه المُشرِّع حال قضاء المحكمة بعقوبة النشر بشأن المُدان، سواء كان ذلك في صورة عقوبة تبعِية أمْ تكميلية، إذ أن بعض الجرائم تُشكّل مسخاً بالثقة العامة كما هو حال الجرائم التي تضرّ باقتصاد الدولة من خلال المَساس بحُرمة أموالها، وتلك التي تقع من التاجر على المستهلك. إذ يناصر جانب وجوب نشر بيانات الحُكم الصادر بالإدانة ضدّ المتّهمِين وذلك تحقيقاً لحقّ الدولة في العقاب، ولكي لا يفلت مجرم من قبضة العدالة، وانطلاقاً منه يتحقق الردع العامّ، كإعلان بعدم التجرّؤ على تشويه الثقة العامة، ويكفل وقوع الردع الخاص للمتهم من خلال إذاعة بياناته الشخصية للعامة بحتمية إيقاع العقوبة.
ويتأثر مبدأ شخصية العقوبة حال القضاء بنشر الحُكم وذلك بصورة غير مباشرة من خلال امتداد أثر تطبيق العقوبة إلى غير المُدان، فعنصر الإيلام المقصود باعتباره جوهر العقوبة ورسالتها السامية وهو ما يميزها عن غيرها من الجزاءات يتفشّى في ضوء تطبيق هذه العقوبة إلى ذَوي المحكوم عليه ومحيطه والأفراد المتصلين به، وهي ليست غاية تشرِيعية في حدّ ذاتها إلا أنها من التبعات الجانبية التي تفرضها طبيعة العقوبة ولا يمكن بصيغة مباشرة اعتبارها خروجاً عن مبدأ شخصية العقوبة.
ولذلك نرى تحقيقاً للملاءمة بين اعتبار أن الدولة من خلال استعمالها لحق العقاب وطمر أوصال الجريمة في المجتمع، وبين مراعاة البُعد الاجتماعي الذي تتضمنه عقوبة نشر الحُكم، لا بدّ من الأخذ بالتمكين الذي منحهُ المشرّع للقاضي الجزائي من خلال سلطة وقف إنفاذ العقوبة بحق المتهم عملاً بالمادة (71) من قانون الجزاء العماني، وذلك في نطاق عقوبة النشر. ووقف النفاذ في هذه الحالة يمكن أن ينصرف لعقوبة النشر تبيعةً كانت أم تَكميلية استشهاداً بالمادة نفسها بتقريرها: “وللمحكمة أن تجعل وقف التنفيذ شاملاً الآثار الجزائية المترتبة على الحكم، أو أيّ عقوبة تبعية أو تكميلية عدا المصادرة.” إذ أنّ المشرّع جعل الإيقاف من عدمه سلطة تقديرية لقاضي الموضوع هَدياً بظروف وملابسات كلّ جريمة ومرتكبها.
وقد يكون تحقيق هذه الملاءمة من خلال التدخل التشريعيّ في معالجة فلك تطبيق عقوبة نشر الحكم درءاً للضرر الذي قد يلحق بذوي الْمحكوم عليه من جانب، وضمان تحقيق الردع من جانب آخر من خلال تقرير تعليق تنفيذ هذه العقوبة لغاية صيرورة الحُكم باتّاً باعتباره عنواناً للحقيقة، ولا يقبل النقض بصفة نهائية، ذلك أن النشر بمجرد صدور الحُكم من فوره في ضوء عدم تحصُّن الحكم كليّاً قد يؤدي إلى إحداث الضرر النفسي المتوخّى تلافيه لغير المحكوم عليه.
صفوة القول: بأنّ المشرِّع العماني أحسن عملاً من خلال الإرهاصات العقابية التي كفلها تحقيقاً للمآرب السامية التي تهدف إليها عقوبة نشر الحكم، وعلاجاً للجَدل الذي يثور حيال شخصية عقوبة النشر للحكم بالإدانة، نرى لزوم إعمال نوعٍ من الموازنة بين الاعتبارات العامّة والخاصّة في تطبيقها.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights